في العرفان لتضحيات المناضلين من أجل الحرية

في العرفان لتضحيات المناضلين من أجل الحرية

على هامش السقطات المتعمدة من الرئيس الفرنسي في حق الأمة الجزائرية


ولاءات مفتعلة، كتاب مزيفون، نفوذ ثقافي سطحي، عناوين اختارها العقل الفرنسي لتذكر شعوب العالم بمعالم تاريخ الغزو والعار المتوحش الذي لا يمكن ولا ينبغي أن ينسى للجزائر: جنة الشمس التي ظلت لآلاف السنين تتجمل بفضائل سكانها، وتفاخر القارات بروائع طبيعتها البكر، وبانتمائها الحضاري.

واضعو أسس مشروع ثقافة الاستيطان الفرنسيين حددوا لمشروعهم في بدايات الاحتلال هدفه الأساسي ممثلا باستئصال الجزائريين من أرض أجدادهم، ومنحها لمن رغب من شذاذ استدرجوا من كل أصقاع أوروبا القاصية ليحلوا محل أهل البلاد، ينتزعون ممتلكات أجدادهم ويستمتعون بتملكها عنوة، يلغون هويات سكانها، ويصرون على إزالتهم من سجلات الإنسانية باستعمال كل أدوات التجهيل والإفقار.

لم يكن البشر من سكان الجزائر هم وحدهم ضحايا دورة العنف التي زكتها ثقافة الحقد والتعصب الصليبي، بل كان من نتائج ذلك المشروع العنصري المدمر تجريد البلد من غطائه النباتي، وتشريد مكونات بيئته الحيوانية، وإبادة تركيبتها في حملات غير مسبوقة من النهب والتخريب الذي مس كل أشكال الثروة والحياة على هذه الأرض المباركة.

لم يكن ذلك كله كافيا، ليتم تعزيز المشروع العنصري، بمشروع عبث غير مسؤول: هو مشروع تعميم العقم النووي غير المسبوق هو الآخر بقلب الصحراء، قلب الساحل الإفريقي، وخزان مياه الكوكب الأكبر.

المسكوت عنه في المشروع الفرنسي العنصري في حق سكان البلاد الجزائرية منذ 1830، من وراء ما يسميه العقل السياسي الرسمي في فرنسا الحرية الشخصية وحرية التعبير، هو أسوأ من سياسة متحيزة وخاطئة، وأعمق من تجربة نفسية مريضة بالحنين إلى عهود الإجرام، إنه الجزء المخفي من مشروع فكري يتعمد نزع الصفة البشرية عن ضحايا الاحتلال من أجل إنكار حقوق الشعوب في تقرير مصيرها، وفي الكرامة الإنسانية، قبل حقوق الشعوب في التميز السياسي والاختلاف الحضاري، والاستقلال بهويتها الخاصة.

وراء ادعاء الدفاع عن حرية التعبير المزعومة من قبل الرئيس الفرنسي هناك رغبة مضمرة في إحياء مشروع مكتمل للإلغاء والاستئصال من الجذور، ونية يحفزها الإصرار المسبق، والترصد “الاستراتيجي” الخؤون لسيادة، ووجود، وبقاء الدولة الجزائرية التي سبق وجودها بهويتها المتفردة وجود دولة المتحدث نفسه عن الحرية الشخصية الانتقائية التي لا تعترف بالإنسان إلا ضمن حدود ما تسمح به “كليشيهات” ثقافية ودينية موروثة عن القرون الوسطى المظلمة، كليشيهات يغلفها للتزيين المسمى العلماني الاعتيادي.

في الجزائر دولة لا تكتسب وجودها بين الدول، ولا شرعيتها “بعد القوة الإلهية القاهرة” في العالم إلا بإرادة الأمة الجزائرية وحدها كما ذكر رئيس الجمهورية، وينبغي على كل مغرور أن يضع نصب عينيه أن وجودها قدسته في العالمين دماء شهداء ظلوا يتزاحمون بعزم لا يلين على الصفوف الأولى من خنادق المغالبة والنضال عبر كل تاريخها، وجود دولة الشهداء هو وحده الأصل، وكل ما عداه مجرد هوامش لا تغير فيه ولا حوله، لا جليلا من معنى ولا قليلا من مبنى.

ليس هذا كلاما في الرد على هواة السياسة الصغيرة، ولا إضافة إلى سجال عقيم ينشأ حول ما إذا كان من يتحدث عنه بعض ساسة فرنسا ورئيسها، يستحق فعلا صفة الكاتب الذي يقرأ له نبلاء شعبه وشرفاء الأحرار في العالم، أم لا، فهذا الرئيس لا ينصت حتى للأغلبية في برلمان دولته، ولا إلى من انتخبوا هذه الأغلبية، ولا يعترف لها بحقوقها.

 إنما هي مجرد شهادة لتنبيه الغافل إلى أن البراهين التي قدمها الجزائريون، ومازالوا قادرين على تقديمها في سبيل سيادتهم وعزتهم هي البراهين الأكثر صدقا في التاريخ، وأنها الأقرب إلى التعبير عن قيم الحرية الإنسانية وإرادة الانعتاق التي لا يقدر على إلغائها أو تدنيسها من يدوسون عمدا على جماجم ضحاياهم.

هي شهادة احترام وعرفان لتضحيات المقاتلين الذين وقفوا في وجه الطغيان والاحتلال في الجزائر بسبب أنهم تجرعوا مرارة الظلم، وهي شهادة في حق كل من وقف ضد الظلم في كل مكان من الأرض، وكل من استشهد مدافعا عن حقه في الوجود، لأن هؤلاء هم أهل الواجب الذين اشتروا أنفسهم، وخلفوا وراءهم أجيالا تفتدي اليوم وفي المستقبل كل ذرة من تراب الجزائر المطهر بالدماء والأرواح.

الدكتور محمد الطيب قويدري

كاتب، وبرلماني جزائري سابق. 

kouidri107med@gmail.com

الموقع الشخصي للدكتور محمد الطيب قويدري، أستاذ جامعي سابقا بجامعتي الأغواط من 1996 إلى 2002 والجلفة 2017-2018. نائب سابق بالمجلس الشعبي الوطني 2002-2007. عضو مجلس الشورى المغاربي عن الجزائر 2003-2007. إطار أمة سام متقاعد. مراسل صحفي بجريدة الخبر، رئيس فرع اتحاد الكتاب لولاية الجلفة سابقا. كاتب جزائري.

اترك تعليقاً

You are currently viewing في العرفان لتضحيات المناضلين من أجل الحرية