عبد الباقي هزرشي فيلسوف من عمق الجزائر

عبد الباقي هزرشي فيلسوف من عمق الجزائر : في الصورة صديق عزيز وأخ كريم ورجل ذو عقل جبار وشعور إنساني رفيع .. .

عبد الباقي هزرشي : فيلسوف من عمق الجزائر .أن تكون فيلسوفا في الجزائر ، البلد الذي كان دائما في حالة ثورة، فقد يجعلك هذا الوضع في محور اهتمام حساس واستثنائي، لأن علاقة الفلسفة بالثورة هي دائما علاقة قوية،

ذلك أن الثورة لا تكون ثورة إلا عندما تكون لها فلسفة خاصة بها، أو أن تفتتح قصة جديدة للحياة، أو تبدع مفهوما مختلفا عن إنسان جديد.

عبد الباقي هزرشي : فيلسوف من عمق الجزائر

عبد الباقي هزرشي هو نفسه إعلان كتوم عن مشروع يتجاوز الشخصي إلى الكوني، في عصر مكّن المعرفة من رؤية ما لم تره من الكون لأول مرة في ما نعرفه من تاريخ الأرض.

استنادا إلى معرفتي به، قد أقول عنه إنه عالج الاهتمامات اليومية، والرغبة الآنية، من خلال السؤال والبحث عن متعة متعالية تتخذ المعرفة موقفا، متعة تعزف عن الاستهلاك وتتسامى عن ابتذاله الفج.

لقد حوّله ذلك الحرص المتراكم إلى مناضل، مناضل يخوض معارك الجهد والوقت ضمن وسط لا يحظى فيه الجهد ولا الوقت بالأولوية.

عبد الباقي كما أفهمه، ضمن حدود ذاتيتي، هو مشروع عميق لا يأبه كثيرا لأن يعلن عن نفسه. في ذلك نوع من الزهد، أو ما يشبه نوعا من التصوف العقلاني،

لكن هذا التصوف وعقلانيته لا يقومان على رفض الدنيوية سوى في مظهرها المبتذل، ولا ينفي المادية، أو يبني روحيته الخاصة جدا بعيدا عنها،

بل يتجاور في مشروعه الجدل بين الأصيل والعصري، وبين النظر والممارسة الواقعية بطريقة شخصية جدا.

عبد الباقي هزرشي : فيلسوف من عمق الجزائر

عبد الباقي يظهر لي بمظهر من يعيش وعقله هو موضوع حياته المقبل باستمرار،

هو سلوكه، وهو طريقٌ يصطنعه إلى الروح ، ودليل وضعه لها في مسارها نحو الارتقاء من الحي المباشر، نحو أنسنة ليست تلقائية دائما.

أن تكون فيلسوفا يعني أن تكون حيا غالب الوقت من خلال العراك معه،

فالحياة البيولوجية خطوة أولى نحو الخيار الإنساني، وجسر نحو الوعي بأنك حي في لحظة ما على مستوى ليس بالضرورة مشتركا.

وإذا كان الوعي المطلق مستحيلا واقعيا بالنسبة لبني البشر، فإن الفرق بين حي وآخر تصنعه اللحظات التي تحييه،

فهذه اللحظات من شأنها أن تحقق له حياة بالمعنى الذي يتميز فيه المنجز عن المحتمل.

عبد الباقي هزرشي : فيلسوف من عمق الجزائر

عشت وفي نفسي دائما شيء من عبد الباقي، عبد الباقي الحاضر ، عبد الباقي الغائب، عبد الباقي الكوني، عبد الباقي المهاجر داخل غرفة الطالب الباحث، والمسافر بين أكوام الكتب المتزاحمة، ضمن مسافات تتسع وتضيق ، بحثا عن الضوء بين أشكال الحروف المتراكمة.

وفي كل مساحة يرسم معالمها الممكن، ينتظم ذلك العمل الدؤوب المثابر الذي يجعل من عبد الباقي في مخيالنا باحثا لا يكل ولا يمل،

كانت تلك الومضات والاستراحات النادرة تفتح لنا باب الحديث اليومي، والعادي الذي لا يريد له أن يتكرر، قبل أن يعود كما يفعل دائما إلى الانطواء داخل عالمه المفتوح على الداخل اللانهائي،

ما يجعلني أرى الفيلسوف وراء عبد الباقي الإنسان، ليس بُعد الكتابات التي تنشر أو لا تنشر وحسب ،

بل هو ذلك الجدل بين حضور لا يكاد يفتر ، وبين غياب منتج ومثمر، يتيح تمكين المراقب من التعرف على شخصية الفيلسوف فيه، الفيلسوف الزاهد الذي سكنتني بصمته على العصر

حتى لو حدث أن غيري لا يراها كما أفعل، و لايقترب منها و يقاربها بالقدر نفسه.

لكن كثيرين غيري عايشوا كينونته، كل من جهته، وعلى طريقته، وتحسسوا حرارة نَفَسه في الحياة وخبروا نصيبهم من تجربته،

هؤلاء يمكن لهم أن يشهدوا على كثير مما لم تسجله هذه الومضة، التي أعرف أنها لا تفيه حقه، ولا تشبع نهم قارئها من التفاصيل التي حفلت بها سيرته.

من جهتي، عشت مع عبد الباقي هزرشي فكريا وعمليا ما لم أعشه مع غيره:

قريبًا على بعدٍ، بعيدًا على قربِ، نقيضا حينا، ورديفا حينا آخر،

محبا في لحظات الوجد والمرض والاغتراب، محترما دائما، حساسا مرهفا، صبورا، جادا، متعاطفا، كريما إلى أقصى حدود الكرم، مسعفا واسع البذل، يقظا بإرادة وثبات نادرين.

سجلت هذه الشهادة لمن يقدر له الاطلاع عليها، في الحاضر أو في يوم آخر ، لأقول:

نحن من بناة الأخوّة التي تتخطى البيولوجيا، ومن رعاة الصداقة التي تتحدى مسكويه و التوحيدي،

وفي تاريخ خاص جدا وشخصي جدا، يمكن لكتاب مرقوم أن يفتح، وقد لا يقرأه سوانا.

لقد جمعتني بعبد الباقي الأخ والصديق وزميل الصف الدراسي محبة قوية تبادلنا فيها صفاء القلب، وسلامة الدوافع ، ونزاهة الحوافز،

رصيد محترم من المروءة في المعاملة بيننا كان سبيله الود والدفء الذي يعود إلى إخلاص متبادل، واحترام عميق.

عبد الباقي هزرشي : اليوم وغدا

لم أحاول هنا مقاربة تاريخ باحث جاد بطريقة موضوعية، ولا الكشف عن أسرار غلفت مسار فيلسوف حقيقي بوسعنا الجلوس وتبادل الكلمات والمعاني معه،

إنما هي مراسلة علنية لسكان الواقع الذين أخشى أن بعضهم يمر ولا يرى وراء حجب المعرفة كثيرا من الصالحين، فقط لأنهم منهمكون في عملهم بصدق.

إننا قد لا نشعر بثقل ما يصدر عن هؤلاء في ميزان المعرفة والعلم، ولكن واجبا ثقيلا يملي علينا أن نستفيد من ثمراتهم، من باب العرفان، وأن نستكثر دائما من الخير .

kouidri107med@gmail.com

الموقع الشخصي للدكتور محمد الطيب قويدري، أستاذ جامعي سابقا بجامعتي الأغواط من 1996 إلى 2002 والجلفة 2017-2018. نائب سابق بالمجلس الشعبي الوطني 2002-2007. عضو مجلس الشورى المغاربي عن الجزائر 2003-2007. إطار أمة سام متقاعد. مراسل صحفي بجريدة الخبر، رئيس فرع اتحاد الكتاب لولاية الجلفة سابقا. كاتب جزائري.

اترك تعليقاً

You are currently viewing عبد الباقي هزرشي فيلسوف من عمق الجزائر