جزائر الأحلام الكبيرة
الجزائر بحجمها الكبير: مساحتها، وتنوع تضاريسها ومناخاتها، بجبالها الفريدة وأوديتها وطول سواحلها، وبوفرة غاباتها، وبصحرائها الشاسعة، وبتنوع لهجاتها وأنماطها الثقافية، وعادات سكانها من منطقة إلى أخرى تشكل شبه قارة يمكن لساكنها أن يعيش الصيف والشتاء في أسبوع واحد، وأن يستمتع برمال الصحراء وأمواج البحر، وثلوج المرتفعات واستراحة الغابة.
بتنوعها الكبير يمكن للجزائر أن تزود سكانها بأحلام منطقة وهم يعيشون في منطقة أخرى، وأن تعدهم فلا يتجاوزون الحدود ليكون بإمكانهم تحقيق ما يوعدون به. تلك الجزائر التي منحها الله لسكانها، ثم زادهم منحة أخرى كان بوسعهم أن ينعموا فيها بفضلها برغد العيش.
أي أن الله أعطى النفط والغاز وكثيرا من المعادن آخرها الذهب واليورانيوم. فماذا يريد الناس من رب العزة أن يزيد في الدنيا أكثر مما أعطى؟ وقد زاد الشهداء على ما أعطى بأن صنعوا من دمائهم فيها مهدا للحرية وملاذا للأحرار؟
ماذا كان على الجزائريين أو قل بعضهم، أو أصحاب العقول منهم، أن يصنعوا لرد جميل خالقهم، وتقديم عربون عرفان لنخبة صلحائهم الذين ماتوا من أجل الجزائر؟ الصبي في المهد يجيب عليهم أن يجعلوا من الجزائر جنة على الأرض، ولا يكفي ذلك في باب الحمد والشكر لله وللشهداء.
بل كان عليهم ومازال أن يحققوا لكل من يحل ضيفا عليهم كل ما يتمنى من الأحلام.
ولكن قارئا يقرأ صحيفة من الصحف التي يصدرها بعض سكان الجزائر، أي صحيفة كانت، لن يشعر بأن هذا البلد العظيم، الذي يكون قد رآه يحتل صدر صورة إفريقيا على الخريطة، هو بلد أحلامه أو حتى بعض أحلامه، لأن من يفكر في السفر نحو الجزائر تسبقه صورة بعض أهلها الذين طارت شهرتهم في الآفاق:
هم أهل عنف وقلق لا يفرحون بزائرهم وينفرون منه بل قد يتعرض لعدوانهم، ألفاظهم نابية، وصراخهم عال، وشارعهم غير آمن وغاباتهم مليئة بالألغام، وأطفالهم يغمرون الشوارع بلا تربية أو تهذيب، ومسؤولوهم لا يسهلون الدخول ولا الخروج على من يستثمر في بلادهم، ويطلبون أطنانا من الأوراق بحجج أقلها ذريعة الخوف على الممتلكات الوطنية من عودة الأجانب لاسيما “المعمرين”.
لماذا تصرف الجزائريون بهذه الصورة الغريبة مع بلدهم الفاتن الذي يسحر قلوب زائريه، هل لأنهم مجانين، أم أنهم خلقوا هكذا لا يتنفسون غير النرفزة والقلق وسوء الطباع؟
لا مطلقا، ليس هذا صحيحا أبدا، لقد كان سكان مدينة الجزائر في الماضي، أي قبل أن يختلطوا بالفرنسيين والمعمرين الأوروبيين غاية في الرقة والتهذيب، كانوا أهل فنون، وأهل عمارة رائعة امتزجت بالعمارة الأندلسية ثم بالعمارة التركية العثمانية، وكانت لهم طرق وأساليب في العيش تبين بجلاء وداعتهم ورقتهم وعلو كعبهم في الصناعات…
كما كانوا منفتحين على جميع الحضارات، وكان منهم من يحسن اللغات الأجنبية دون تقليد لأهلها، وكانوا بصناعاتهم مضرب الأمثال في الحوض الغربي للمتوسط.
وإلى وقت قريب كان “الدزيري” أي ابن العاصمة مثالا يحتذى في نظافة بدنه، وأناقة لباسه، ورقة سلوكه، وتهذيبه مع الناس، حتى أنه وهو الحضري العريق يهزأ بلباقة من غلظة البدو الذين يزورون بلدته الهادئة الجميلة: جزائر بني مزغنة.
يكوي لباسه كل صباح، ويلمع حذاءه، ويخرج بشعره الأنيق كل يوم كأنه يخرج من عند الحلاق. أين هذه الصورة الإنسانية الرقيقة مما نراه اليوم في عاصمتنا من زحمة ووسخ وعباد يسيرون وكأنهم قوم نائمون يعيشون كابوسا رهيبا، ويقطعون طريقا موحشا مظلما يوصل إلى باب جهنم؟؟
كل ما يمكن أن تفعله الدولة اليوم، وكل ما تضخه في المدينة من أموال سيبدو وكأنه رمي قطرة جافيل لتطهير البحر؟!
وما يسري على العاصمة الجميلة التي كانت مدينة أحلامنا جميعا في الصغر يصدق على شبه القارة العجوز التي فقدت شبابها على أيدينا وخسرت مكانتها بين الأقاليم الجغرافية، ورضيت بالاستكانة، وبأن يقال عنها كل ما لا يرضي حسناء كانت يوما في غاية الجمال.
على هؤلاء الذين يبشرون بعقيدة الانتحار، وينامون على الحلم بسرقة شيء أو الاستيلاء على شيء، أو اختطاف الصبيان من أمهاتهم، أو تهريب شيء جميل وغال إلى خارج الحدود، ومقابل ذلك وعكسه: يقومون بتهريب شيء سام أو آلة قاتلة أو دواء فاسد إلى داخل الحدود. هذه الغربان المشؤومة التي لم تبق ولم تذر، عليها وعليهم جميعا أن يغادروا أو يموتوا قبل أن تحل على جزائر الخير والجمال بسببهم نقمة من الله وعقاب عظيم!!
محمد الطيب قويدري
سبق نشره بموقع : أحباب الجلفة